وثالث هذه الحقائق ، ان تزكية النفس او الغير بالتقوي ممنوعة ، فلا يصح ان تمدح نفسك او غيرك بالصلاح ( الجمعة 5 : 6 ، البقرة 94 : 96 ، النساء 49 : 50 ) وقد قال تعالي ( فلا تزكوا انفسكم ، هو اعلم بمن اتقي : النجم 32 [
وهناك حقائق اخري يطول شرحها ,و لكن نكتفي بذلك لندخل في ملامح الدولة الاسلامية في خلافة ابي بكر .
ثانيا : ولاية الحكم
الاسلام دين ودولة ، الا ان دولة الاسلام ليست دولة دينية ولكنها دولة مدنية هدفها الاول] اقامة القسط بين الناس] (الحديد : 25) اما الدولة الدينية فهدفها ادخال الناس الجنة بالاكراه وحد الردة وتغيير المنكر بالقوة ، وذلك بالمخالفة للقرآن الذي يجعل الهداية مسئولية شخصية]الاسراء 15 ، القصص 56 [ .
ودولة الاسلام المدنية تجعل الامة مصدر السلطات ، ولو كان النبي وهو الحاكم فظا غليظ القلب لانفض الناس من حوله ، واذا انفضوا من حوله فلن تكون له دولة ، بل ستعود اليه قصة المطاردة والاضطهاد ، لذلك جعله الله تعالي هينا لينا مع الناس ، وامره بأن يستشيرهم لأنهم مصدر السلطة والقوة ( آل عمران 159) اما في الدولة الدينية فالخليفة يزعم انه يستمد سلطته من الله ، وانه مسئول امام الله عن الرعية ،أوالاغنام التي يحكمها او يملكها ، ويعاونه في حكمها الملأ او اهل الحل والعقد وهو ما يذكرنا بفرعون وملائه وحرص القرآن الكريم على ترديد قصته وملامح الأستبداد وذهنية الحاكم الطاغية فيها لكى يفهم المسلمون , ولكنهم ما فهموا ولن يفهموا طالما يقدسون الطغاة وينتفضون غضبا اذا حاول باحث مسلم عرض تاريخهم على القرآن الذى يزعمون الايمان به.
وفي دولة الاسلام فالمسلم هو كل انسان مسالم بغض النظر عن عقيدته ، لأن العقائد مرجعها لله تعالي يوم القيامة ، أي ان الدين لله تعالى والوطن للجميع على قدم المساواة والعدل. اما في الدولة الدينية فالمواطنون درجات اعلاهم الخليفة والمقربون منه ، ثم جهاز السلطة من الفقهاء والجند والموظفين ، ثم الذين علي مذهب السلطان من المسلمين ، ثم الويل كل الويل لاصحاب المذاهب الاخري والاديان الاخري في داخل الدولة .
وفي دولة الاسلام لكل فرد فيها – بغض النظر عن عقيدته- الحق المطلق في شيئين : العدل وحرية العقيدة والفكر ، ولكل فرد حقوق نسبية على قدر امكاناته في المشاركة السياسية ـ أي الحكم - وفي الامن وفي الثروة .ويكون المجتمع هو صاحب الحق المطلق في الثروة والسلطة والامن . اما في الدولة الدينية فالخليفة هو الذي يملك الارض ومن عليها ، و هو الذي يحتكر السلطة والثروة والامن وعقائد الناس وقلوبهم ، ومن عصاه فمصيره القتل في الدنيا والجحيم في الاخرة ، او هكذا يزعمون .
وهذه الدولة الاسلامية اقامها النبي فعلا في المدينة ( فالدولة هي شعب + ارض + نظام حكم ). الا ان بداية التغيير في اسس هذه الدولة الاسلامية حدث في خلافة ابي بكر نفسه ، ثم تفاقم التغيير في عهده بالفتوحات العربية التى حملت اسم الاسلام زورا وبهتانا , وهى التى أوصلت المسلمين بعده الي الحرب الاهلية في الفتنة الكبري التى أسقطت الدولة الاسلامية نهائيا وبدأت عصر الخلفاء غير الراشدين . ومع ذلك تبقي الدولة الأسلامية واقعا تاريخيا حيا لا مجال لانكاره , أقامه خاتم النبيين ـ عليه و عليهم السلام ـ ثم أضاع اصحابه ملامحها شيئا فشيئا . و لأن الدولة ألأسلامية كانت واقعا حيا في العصور المظلمة فانه من الممكن اعادتها فى عصرنا الحالي,و هذا ما نجح فيه الغرب حين انهى سيطرة الكهنوت و التراث الدينى وتمسك بدلا منهما بحقوق الانسان و القيم الأنسانية العليا. و حقوق الأنسان و القيم الأنسانية العليا هى جوهر ألاسلام فيما يخص تعامل البشر فيما بينهم , وهى جوهرالشريعة الأسلامية الحقيقية والدولة الأسلامية على نحو ما فصلناه فى مؤلفات لنا سابقة .
و حقوق الأنسان و القيم الأنسانية العليا هى جوهر الخلاف بين الدولة الأسلامية و نقيضتها الدولة الدينية, تلك الدولة التى عرفها المسلمون بعد دولة ما يسمى بالخلفاء الراشدين تمييزا لهم عن الخلفاء غير الراشدين ممن احترفوا الظلم والأستبداد تحت لافتة الاسلام . وفى عهدها تم تدوين التراث ونسبته ـ زورا ـ لله تعالى ولرسوله ليصبح مقدسا محميا من النقاش و مصونا عن النقد. و فى عصرنا البائس هذا يراد لنا ان نبتلع هذا التراث دون نقاش لكى نتيح لأصحابه ان يركبوا ظهورنا حكاما باسم الأسلام وهم اعدى اعدائه. و يكفى ان الأسلام اصبح بهم متهما بالارهاب والتخلف والتعصب والرجعية والجمود. و هو فى الأصل دين السلام والعدل و الحرية والتقدم والتسامح , ورسوله ـ عليه السلام ـ بعثه الله تعالى ـ ليس ليقاتل الناس حتى يقولوا لااله الا الله وليكرههم على دخول الاسلام كما يقول ذلك الحديث الكاذب , ولم يبعثه ربه جل وعلا بالسيف بين يدى الساعة كما يردد دعاة الوهابية ـ وانما بعثه ربه جل و علا رحمة للعالمين. ان اقرب النظم اقترابا من نموذج الدولة الاسلامية هى دولة الاتحاد السويسري ودول اسكندنافيا التى تطبق الديمقراطية المباشرة ، وتظل ابعد الدول عن نموذج الدولة الاسلامية هي الدولة الدينية التى اقامها المسلمون فى العصور الوسطى بعد فترة انتقالية بين الدولة الأموية ودولة الرسول محمد ـ عليه وعلى كل الأنبياء السلام ـ وهذه الفترة الأنتقالية هى ما يسمى بالدولة الراشدة , و كان ابو بكر اول خلفائها, وجاءت دول المسلمين الدينية لتجعل منه ومن اصحابه جزءا من مقدساتها لا يجوز لأحد الأقتراب منهم الا بالتحميد والتمجيد حيث لم يعودوا بشرا يخطئون ويصيبون مثلما وصف الله تعالى أنبياءه فى القرآن الكريم .
ان تدوين التراث قام في ظل الدولة الدينية العباسية ، لذلك اهمل التدوين كل ما يخص الشوري وفرضيتها كالصلاة والزكاة ( الشورى 38 آل عمران 159 ) والتأكيد علي حضور مجالسها في المسجد لكل الناس ( الايات الثلاث الاخيرة في سورة النور ) وما كان يحدث في مجالس الشوري من امور عرضت لها سورة المجادلة . هذه التربية السياسية الديمقراطية ضاعت ولم يتم تدوينها في عصور الاستبداد السياسي العباسي ، ولم يبق من دليل عليها الا ايات القرآن الكريم .
ان الدولة الاسلامية التي انشأها النبي عليه السلام كانت ضد منطق العصور الوسطي القائم علي الاستبداد الديني والسياسي ، ولكن وجود النبي ونزول الوحي كان مما يعين هذه الدولة علي الثبات ، خصوصا مع دخول الناس في دين الله افواجا خلال قوى الاعراب والقريشيين بعد فتح مكة ،فلما مات النبي وانقطع الوحي نزولا اجبرت القوى الجديدة هذه الدولة ان تبدأ التنازلات علي حساب القرآن وما كان عليه النبي عليه السلام . وبدأها ابو بكر في بيعة السقيفة وحرب الردة والفتوحات ، أي انه اضطر للتعامل مع العصور الوسطي بمنطقها علي حساب المعتقد الاساسي للدولة الاسلامية . وكان حتما ان ينتصر في النهاية منطق العصور الوسطي,فانتصر بالامويين ثم العباسيين . وحين انتصر منطق العصور الوسطي في العصرين الاموي والعباسي زالت كل ملامح الدولة الاسلامية ، واصبحت الحاجة ماسة الي تشريع مخالف للقرآن ، وتمت صياغة هذا التشريع عن طريق علماء السلطة بالاحاديث المفتراة والفتاوي وهجر القرآن وتشريعاته تحت مسميات شتى كالنسخ والتأويل والفقه والتفسير. ولنا مع كل منها وقفات توضح التناقض بينها وبين الأسلام.
بعد هذا التوضيح نعود الي ابي بكر والخريطة السياسية للمنطقة في عهده بعد موت النبي محمد عليه السلام.
في اواخر ما نزل من القرآن نعرف ان الناس قد دخلوا في دين الله افواجا ، وهذا ما كان يبدو علي السطح . ولكن الوحي الذي انزله عالم الغيب قد اخبر ان المنافقين من الصحابة كانوا صنفين ، صنف مكشوف معروف ، وصنف مرد أو أدمن النفاق لا يعلمهم النبي بل الله وحده الذي يعلمهم ، بل ان الاية التي تحدثت عن محمد والذين معه ووصفتهم باستدامة الركوع والسجود وان سيماهم في وجوههم من اثر السجود ، هذه الاية تقول في النهاية ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجرا عظيما : الفتح 29 ) أي قالت ( منهم ) ولم تقل جميعهم . أي انه بغض النظر عن علامات الخشوع والسجود فان ما في القلب شيئا اخر ، وهكذا فان اهل المدينة منهم السابقون ومنهم من خلط عملا صالحا واخر سيئا ، ومنهم من ارجأ الله تعالي امره اليه يوم القيامة ، ومنهم المنافقون المعروفون – ومنهم المنافقون المجهولون ، ثم ممن كان حولهم من الاعراب منافقون ( التوبة 46-، 61 -، 67-، 74-، 97- 110 ) . والقرآن يتحدث دائما عن اصناف لا عن اشخاص . ثم يضاف الي ذلك الملأ القرشي ، اشراف قريش من بني امية الذين اسلموا بعد الفتح حرصا علي الجاه والثروة بعد تاريخ حافل بالعداء لله تعالى ورسوله. وليس معقولا ان ينمحى هذا العداء وثاراته بمجرد التسليم الظاهرى والجلوس مع النبى بضع مرات قبل موته.
وقد كان النبي بشخصيته وهداية الوحي له يستطيع التعامل مع كل هذه الاصناف بدليل نجاحة في ضمهم جميعا للاسلام بمعناه الظاهري ، وهو ايثار السلم ( الحجرات 14- ، ) فدخلوا فيه افواجا . ولكن تغير الوضع بعد موته ، ولذلك تحتم التنازل عن الملمح الاول من ملامح الدولة الاسلامية ، وهو ولاية الحكم . ولنستعد هنا لمفاجأة .
اذ ليس في الدولة الاسلامية حاكم بأي معني من المعاني المألوفة سياسيا . الحاكم المستبد يناقض شريعة الاسلام وعقيدته ، والحاكم بمفهوم العقد الاجتماعي العلماني الغربي مرفوض ايضا في شريعة الاسلام . في العلمانية الغربية يتنازل الشعب عن السلطة لمن يقوم بانتخابهم ومن يمثلونه وينوبون عنه في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، اما في الدولة الاسلامية فالدولة هي الشعب ، بمعني ان الشعب هو الذي يحكم نفسه بنفسه في نظام يقوم بادارة الحكم فيه اولو الامر ، واولو الامر أي اصحاب الشأن والخبرة والاختصاص في الموضوع المطروح بحثه وتنفيذه ( النساء 59 ، 83[. وطاعتهم مقيدة فى اطار طاعة الله تعالى ورسوله, اى الرسالة اى القرآن الكريم.
والشوري الاسلامية تعني الديمقراطية المباشرة في كل حي وفي كل قرية ومدينة ، وحضورها فريضة عينية علي كل انسان ذكر او انثي ، ولا يجوز التسلل منها او الاعتذار عنها الا بعذر قهري ( النور [62 : 64 ) وفيها يتم الحكم والمساءلة ، ولذلك فان اوامر السياسة كانت تتوجه الي مجتمع المؤمنين ، علي سبيل المثال : سورة المائدة 8 ، 33- ، 51-، 54 ، 75 النساء ، 2-، 5-، 25- ، 29-، 58-، 71-، 94-،[ وليس الي حاكم ، بل ان كلمة " حكم " ومشتقاتها فيما يخص التعامل بين الناس تعني في القرآن الكريم الحكم بين الناس أي في امور التقاضي لأن الاساس الاول في الدولة الاسلامية هو اقامة القسط مع العدو والصديق. والموضوع طويل ونكتفي منه بالتأكيد علي ان دولة النبي في حياته كانت تدار بالناس وليس عن طريق حاكم ، وذلك وفقا لآليات يطول شرحها عرضنا لها فى كتابنا عن ديمقراطية الأسلام، ولكن المهم ان ابا بكر ضحي بذلك كله وهو يواجه الوضع الجديد بعد موت النبي ، فكانت بيعة السقيفة التي اسفرت عن تعيينه حاكما او خليفة علي خلاف ما كان مألوفا في عهد النبي ، ولو كان تعيين حاكم من اسس الدولة الاسلامية النبي لبادرالنبى محمد عليه السلام الي تعيين من يخلفه ، الا انه تركهم علي ما كانوا عليه يحكمون انفسهم بأنفسهم ، فكان ما كان ..
بعد موت النبي ارتفعت رءوس المنافقين ، ويلاحظ كثرة حديث القرآن ـ في اواخر ما نزل ـ عن المنافقين . ثم بعد انقطاع الوحي نزولا وبعد موت النبي انقطع الحديث القرآني عن المنافقين فى المدينة وخارجها ، فهل قدموا استقالتهم من نادي النفاق ؟!! المنتظر ان يكونوا عنصرا هاما في العمل علي اسقاط الدولة التي يكرهونها ، خصوصا وان حمي الردة انتشرت بين الاعراب المنافقين حول المدينة ، وقد ربطت الايات بين الفريقين في قول الله تعالي ( وممن حولكم من الاعراب منافقون ، ومن اهل المدينة مردوا علي النفاق ، لا تعلمهم نحن نعلمهم : التوبة 101 [ ثم الي جانب ذلك هناك القريشيون من مسلمة الفتح وزعماؤهم من بني امية وقد اسلموا حديثا بعد طول عداء ، وازاء هذه الاخطار كان اول ما يفكر فيه المخلصون من المسلمين هو البيعة وأخذ العهود والميثاق علي التكاتف سويا لمواجهة خطر الاستئصال خلف قائد حربي في هذه الظروف الاستثنائية .
ومفهوم البيعة في القرآن وفي ثقافة عصر النبي لا يعني البيعة لحاكم ، وانما البيعة علي التمسك بالاسلام او الجهاد في سبيل الله حين التعرض للخطر ( الفتح 10 ، 18 ، الممتحنة 12 ، الاحزاب 15 [ ولكن البيعة في السقيفة اكتسبت مفهوما اخر ، انتهز فرصة الخطر الداخلي والخارجي ليكسب البيعة مفهوما سياسيا اصبحت بها تعنى تولي الحكم أوالعهد بالحكم . سواء كان ديمقراطيا بعض الشىء في عهد الخلفاء الراشدين ، ام كان وراثيا استبداديا ، كما في عهد الخلفاء غير الراشدين وأذنابهم من مستبدى حكام المسلمين فى عصرنا البائس.
ونرتب الاحداث حسبما جاءت في روايات التراث السنى .
فبعد موت النبي مباشرة اجتمع الانصار في سقيفة بني ساعدة ، واتفقوا علي تولية سعد بن عبادة الذي كان مريضا ، ولم يمنعه مرضه من الحضور ، وخطب فيهم سعد موضحا حقهم في الحكم ـ و لو كان الوحي ينزل لأخبر عن مكائد المنافقين فى هذا اليوم ـ ووصل الخبر الي عمر فأسرع الي ابي بكر وكان مع " علي" يشرف علي تجهيز جثمان النبي للدفن ، وخرج ابو بكر مع عمر الي السقيفة وفي الطريق لحقهم ابو عبيدة بن الجراح . وفي السقيفة خطب ابو بكر متوددا للانصار وقال لهم : نحن الامراء وانتم الوزراء ، فاحتج عليه الحباب بن المنذر مطالبا بحق الانصار ، وقال : فان ابي هؤلاء فمنا امير ومنهم امير ، فرد عليه عمر بعنف فاشتعل الشجار وامتشق الحباب سيفه ، فالتقطه منه عمر واتجه به ليقتل سعد بن عبادة ، ولكن اسرع ابو بكر فأنقذ سعدا ، فقال له عمر : قتله الله انه منافق ، وانتهي الامر ببيعة ابي بكر البيعة الخاصة ، ثم بويع البيعة العامة في المسجد في اليوم التالي .
ورفض سعد بن عبادة ان يبايع ابا بكر ، وقيل له : ( لئن نزعت يدا من طاعة او فرقت جماعة لنضربن الذي فيه عيناك [ ورد سعد رافضا البيعة ( والله لا ابايع حتي اراميكم بما في كنانتي واقاتلكم بمن تبعني من قومي وعشيرتي ) ونصح بشير بن سعد ابا بكر بألا يرغم سعدا علي البيعة : " لأنه لن يبايع حتي يقتل ، ولن يقتل حتي يقتل معه ولده وعشيرته ولن يقتلوا حتي يقتل الخزرج ، ولن يقتل الخزرج حتي يقتل الاوس ، فلا تحركوه ، فأنه ليس يضركم ، انما هو رجل واحد طالما تركتموه ) فتركوه .
وكان سعد بن عبادة من اشد الناس غيرة ، ما تزوج الا امرأة بكرا ، وما طلق امرأة فتجاسر احد علي زواجها بعده، وكان بعصبيته وماله وشخصيته عنصر قلق لأبي بكر و عمر بعد الاهانة التي لحقت به في السقيفة ، خصوصا بعد تولي خصمه عمر الخلافة ، لذلك لم يطق الامر وترك المدينة بعد ان قسم امواله علي ذريته . وحدث انه بعد وفاته في الشام ولدت احدي نسائه ولدا فقال عمر لابنه قيس ان يدخل الوليد معهم في الميراث ، فقال قيس بن سعد : " اني لا اغير ما قال ابي سعد ولكن نصيبي لهذا الولد " الي هذا الحد بلغت طاعة قيس لابيه بعد موته ، مما يعطينا لمحة عن خطورة سعد السياسية والشخصية .
وهذا يفسر لنا من ناحية اخري موتته الغامضة في حوران بالشام ، اذ عثروا علي جثته هناك مقتولا ، وقد تغيرت ملامحه ، واشيع في المدينة ان الجن قتلته ، وان الجن قالت في ذلك شعرا :
قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة رميناه بسهم فلم نخطئ فؤاده
وبهذا تم التخلص نهائيا من معارضة الانصار ، وبقيت معارضة بني عبد مناف .وال عبد مناف هم الهاشميون والامويون ، فهم معا ابناء رجل واحد هو عبد مناف .
ومن الطبيعي ان يحتج علي هذا الوضع ـ تولية أبى بكر الخلافة ـ ابو سفيان ومن علي شاكلته من اصحاب الثقافة القريشية الجاهلية ، بل ان ابا قحافة والد ابي بكر كان ينتمي الي هذه الثقافة ، اذ تعجب كيف يصبح ابنه حاكما في وجود بني امية وبني هاشم وهم كبار قريش ، لذلك لا نعجب اذ ردد ابو سفيان نفس المعني ثائرا حين قال ( ما بال هذا الامر في اقل حي من قريش ) وقال ( مالنا ولابي فصيل ) يتندر علي ابي بكر ، ( انما هي عبد مناف ) وصرح ( اين المستضعفان : علي وعباس ) ودعا الي بيعة علي ، فزجره " علي" قائلا ( طالما عاديت الاسلام واهله فلم تضر شيئا ) وأخيرا هدأ ابو سفيان حين استرضاه ابو بكر بتعيين ابنه يزيد قائدا ، فقال حين بلغه الامر ( وصلته رحم )