نستهل بتوفيق الله الحلقة السادسة وفيها:
ما
إن تنبثق الغازات من مؤخرة الصاروخ ، ويندفع صاعداً إلى أعلى حتى تنتهي
مهمة فريق الاختيار ، ويتولى فريق المتابعة أمر الصاروخ إلى أن يصل إلى
مقصده .
ومسار الصاروخ ، وكذلك المسار الذي يتخذه " الحمل النافع "
- وهو إما مركبة أو مجس فضائي - بعد تحرره من الصاروخ محددان مسبقاً ، حيث
يقوم العلماء بحساب هذين المسارين بدقة مرتكزين على أسس علم " الميكانيكا
السماوية " والعوامل التي تؤثر في حركة الأجسام داخل نطاق الجاذبية
الأرضية وخارجها . فيحددون اللحظة التي يجب أن يطلق فيها الصاروخ لكي يصل
إلى مقصده ، والاتجاهات والسرعات التي يتخذها طوال مساره ، كما يحددون
موقع ولحظة انفصال الحمل النافع عن الصاروخ والسرعة والاتجاه اللذين يجب
أن ينطلق بهما الحمل النافع عند انفصاله . ويحسبون كذلك مسار الحمل النافع
إن كان مجسا فضائياً موجهاً إلى أحد الكواكب ، والمدار إن كان هذا الحمل
قمراً صناعياً .
وتشمل حساباتهم تحديد أوج المدار وحضيضه ، وما
إذا كان قطبياً أو استوائياً أو مائلاً . وتخزن هذه المعلومات في حاسب
اليكتروني للمقارنة بينها وبين سرعة وموقع الصاروخ أو مركبة الفضاء
الفعليين في لحظات متتابعة وتصحيح المسار كلما اقتضى الأ/ر ذلك ، لينطبق
المسار ( او المدار ) الفعلي على ماتم تحديده مسبقاً .
ويمكن
تعيين سرعة الصاروخ أو مركبة الفضاء باستخدام ظاهرة معروفة في علم
الفيزيقيا هي ظاهرة دوبلر . وهي ظاهرة تتميّز بها الحركات الموجيّة بجميع
أنواعها ، كالصوت والضوء والموجات الكهرومغنطيسية بوجه عام .
فالمعلوم
أن الحركة الموجيّة تتميّز بطول الموجه وترددها . وطول الموجة يساوي خارج
قسمة سرعتها على ترددها . وتردد الموجة الصوتية هو الذي يحدد النغمة ( أو
الجرس ) الذي تميز به الأذن هذه الموجة ، فكلما زاد التردد ارتفعت حدة
النغمة .
لاحظ ان المراقب 1 يسمع صوت السيارة بتردد منخفض عن التردد الذي يسمعه سائق
السيارة في حين ان المراقب 2 يسمع صوت السيارة بتردد اعلى من التردد الذي
يسمعه السائق.
ولقد وجد دوبلر أن الصوت الصادر من
مصدر متحرك بالنسبة لسامع يصل إلى السامع بتردد مختلف عن تردده الأصلي .
ويتوقف التغير في التردد على سرعة المصدر بالنسبة للسامع واتجاه حركته ،
فيزيد إذا كان المصدر مقترباً من السامع ويقل إذا كان مبتعداً عنه .
وأوجد
دوبلر علاقة بين سرعة المصدر بالنسبة للسامع ومقدار التغير في التردد .
فبمعرفة التردد الأصلي ومقدار التغير فيه يمكن حساب السرعة بدقة عالية .
ولا
تقتصر ظاهرة دوبلر على الموجات الصوتية فحسب بل إنها تشمل جميع الحركات
الموجيّة . فموجات الضوء الصادرة من جسم متحرك مبتعداً عن الراصد تصل إلى
الراصد بتردد أقل من ترددها الأصلي . ولعلنا نعلم أن تردد الضوء هو الذي
يحدد اللون الذي تراه به العين .
ولقد استخدم العلماء هذه
الظاهرة في دراسة حركة النجوم والمجرات ، حيث انهم قاسوا التغير في ترددات
أطياف النجوم والمجرات ، أي مايسمونه " الإزاحة نحو الأحمر " ، و وجدوا أن
هذه الأجرام تتحرك بسرعات عالية مبتعدة عن الأرض ، وعن بعضها البعض ،
وهكذا استنتجوا أن الكون يتمدد.
تتبع الصاروخ وتصحيح المسار :
يمكن
إذن تعيين سرعة الصاروخ أو مركبة الفضاء في أي لحظة بإرسال موجات
كهرومغنطيسية معلومة التردد تماماً من مركز المتابعة إلى الصاروخ أو مركبة
الفضاء ، فيستقبلها جهاز استقبال و إرسال ضئيل الحجم دقيق الأداء للغاية
بتردد مختلف عن التردد الأصلي . وترسل المعلومات عن التغير في التردد إلى
مركز المتابعة ثانية ، حيث تعالج بالحاسب الإلكتروني وتعين سرعة الصاروخ
أو المركبة . وتصل الدقة في تعيين السرعة بهذه الطريقة إلى 0.1 مم في
الثانية ( 3.6 متر في الساعة ) وهذه دقة عالية للغاية ، إذا أخذنا في
الاعتبار أن السرعات تبلغ عشرات آلاف الكيلو مترات.
ويجدر بنا أن
نتوقف لحظة لنتبيّن الطريقة التي ترسل بها المركبة المعلومات عن مقدار
التغير في السرعة ، بل وجميع المعلومات التي ترصدها الأجهزة التي تحملها
المركبة . فهذه المعلومات ترسل إلى مركز المتابعة بأسلوب إلكتروني يعرف "
بنظام التليمتري " . وفي هذا النظام تحول المعلومات إلى اشارات لاسلكية
وفقا لشفرة معينة ، وترسل هذه الاشارات لاسلكياً إلى مركز المتابعة حيث
يتم استقبالها وتسجيلها ثم معالجتها بالحاسب الالكتروني الذي يترجم الشفرة
إلى ماترمز إليه من معلومات أصلية . فهو قادر على نقل المعلومات من جميع
الأنواع ، سواء أكانت أرصاداً علمية أم حيوية كضربات القلوب ومعدلات
التنفس بل وحتى الصور التي تلتقطها آلات التصوير التلفزيونية .
أما
تعيين موقع الصاروخ أو مركبة الفضاء فإن هذا يتم باستخدام شبكة رادارية
موزعة في أماكن محددة . وتوجه هوائيات الرادارات نحو الجسم الطائر ، ومن
المعلومات التي تمد بها الشبكة الرادارية يمكن تحديد الموقع بدقة بالغة .
ولعلنا نعلم الأساس الذي يرتكز عليه عمل الرادار ، فوحدة الرادار ببساطة
مجموعة تجمع بين أجهزة يمكنها إرسال نبضات موجات كهرومغنطيسية ( أي اشارات
راديوية ) إلى الهدف واستقبال تلك النبضات بعد انعكاسها منه ، وقياس الزمن
الذي تستغرقه النبضة في ذهابها إلى الهدف وعودتها منه ، ونصف هذا الزمن
المقيس هو الزمن الذي تقطع فيه النبضة المسافة من المحطة الرادارية إلى
الهدف . وعلى ذلك فإن هذه المسافة تساوي حاصل ضرب نصف الزمن المقيس في
سرعة الموجات الكرومغنطيسية ( أي سرعة الضوء التي تساوي 300000 كيلو متر
في الثانية ) .
إن تعيين السرعة والموقع في لحظات متتابعة يحدد
مسار المركبة الفعلي الذي يجب أن يكون مطابقاً للمسار المحدد مسبقاً .
وتتم المقارنة بين المسارين ، الفعلي والمحدد مسبقاً ، بواسطة الحاسب الذي
تحتوي ذاكرته على بيانات المسار المحسوب . وإذا وجد اختلاف بين المسارين
فإن الحاسب يرسل تعليماته بإشارات لاسلكية إلى المركبة لتصحيح مسارها .
ويتم هذا التصحيح عن طريق محرك صاروخي صغير تحمله المركبة يمكن توجيهه في
أي اتجاهمعين ، وتشغيله لمدة معينة وفقاً لتعليمات الحاسب حتى تعود
المركبة إلى المسار المحدد .